للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثلاثًا ما بقي يتمكن من المراجعة إلا في الطلقتين، وأُمِرَ أن لا يُطلِّقها حتى يعلم أنها حامل أو غير حامل، فإن كانت حاملاً كانت عدتها الحمل، وأَقْدَمَ على علمٍ فلا يندمُ، ولا تَغُرُّه وتكتُمه وتكذِبُ عليه. وإن ظهر أنها ليست حاملاً، لكونها في طهرٍ لم يصبها فيه، كان كذلك، وما بقي الكذب الذي يضرُّه يمكنها إلاّ في صُوَرٍ نادرةٍ، إذا طَهُرت ثمَّ تبيَّن أنها حامل، أو فيما إذا كتمتِ الحمل أولاً وقالت: إني طاهر، وهو مع ذلك وفي كلا الموضعين إنما يُمكنُها الخِداعُ على قول من يُوقع الطلاق. ومَن لا يُوقع إلاّ طلاقَ السنة يقول: إذا تبيَّن أنها كانت حاملاً ولم يعلم، لم يَقع الطلاقُ، فإنها لم تكن طاهرًا، ولا كان ذلك دَمَ حيضٍ.

وأيضًا فقد يكون مرادُهم أنّ هذه الآية - آية القروء - نزلت قبلَ الأمر بالطلاق للعدة، فكانوا في تلك الحال لهم أن يطلقوا المرأة حائضًا وموطوءةً، وحينئذٍ فقد تكون حاملاً وتكتم الزوجَ ذلك، أو حائلاً وتكتم ذلك، فكان النهي عن الكتمان في تلك الحال عامًّا. ثمّ إنه بعد ذلك أمر بالطلاق للعدة، ونُهِيَ الرجلُ أن يُطلّق امرأة بمرة إلاّ إذا تبين حملُها، فزال هذا الفساد، كما قيل لهم: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا) (١)، لما كان الطلاق بلا عددٍ فأمر بالعدة أولاً، ثم قُصروا على الثلاث ثانيًا، ثمَّ أُمِروا بطلاق السنة ثالثًا.

وهذا يُبين حقائق الأمور، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. ولهذا قال في سورة الطلاق (٢): (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)، فدلَّ على


(١) سورة البقرة: ٢٣١.
(٢) الآية ١.