سعد الدين ابن حمويه كان يقول: ليس بين التوحيد والإلحاد إلاّ فرقٌ لطيف. وهذا حقيقة هذا القول المحكيّ عنه، فإن الإلحاد المحض نفي الصانع بالكلية، وأن هذا العالم الموجود ليس له صانع، فإذا قال القائل: إن هذا العالم الموجود هو الصانع، وهو الصانع المصنوع، فقوله مثل قول الملحدة المحضة في جحود ربّ العالمين. لكن ذاك لا يحتاج أن يقول: ظهرَ فيه صانعُه، وهذا يقول: هو صانعُه وما هو غير صانعه، لكن الصانع له ذات، وهو الوجود المطلق المرئي الذي له اسم ولا صفة، وله أسماءٌ وصفات، وهي نسبةُ ذلك الوجود إلى مظاهرِه ومجاليه أو نحو هذه العبارات التي ليس لها حقيقة في الخارج، وإنما كلّ منهم يتخيَّلُ نوعًا من الكفر ويقوله، ويقول: إنه غاية التحقيق ونهاية التوحيد وحقيقة النبوة، فيحتاج أهل العلم والإيمان إلى مجاهدتهم بالقلب واليد واللسان، فيحتاجون إلى شرح مقاصدهم -لتتبيَّنَ أنواع كفرهم، ولئلاّ يحسب الجهّال بهم أنَّ تحتَها حقائق إيمانية، فيؤمنون بالجبت والطاغوت مجملاً أو مفصَّلا، لأنهم منتسبون إلى الإسلام ومدَّعون أنهم سادات العالم وأفاضل الخلق، حتى قد يتفضلوا على الأنبياء -كاحتياج موسى إلى جهادِ فرعون، وإبراهيم الخليل إلى مناظرة الذي حاجَّه في ربّه، واحتياج المؤمنين إلى جهاد القرامطة الباطنية، فالله يفتح بين أهل العلم والإيمان (١).
(١) انتهى ما في الأصل. وكتب بعده فيه: "بياض كبير".