للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يجبُ على أحدٍ في الشريعة أن يفعل ما يغيِّبُ به عقلَه، أو يُنْقِص به قوَّتَه، ولكن قد يفعلُ أمورًا يلزم [منها] ضعف عقله ونقص قوَّة قلبه، فتكون هذه لوازم وجود تلك الأمور؛ لا أنه يلزمه تحصيل ذلك.

فوجوبُ تحصيل ذلك لا يثبت في حق أحد، وأما وجوب وجوده فقد يَعْرضُ لبعض السالكين دون بعض، ولا يَعْرضُ إلَّا مقرونًا بصعق وعجز، والصَّعِقُ العاجزُ هو معذور على ما تركه، ليس مأمورًا بما تركه.

واعتَبِرْ هذا بالأحوال العارضة للناس في سائر ما يحبونه ويطلبونه، منهم من يعرض له في حُبِّ الصُّوَرِ والرياسة أو المال ما يُذْهِل لبَّهُ ويُزيلُ عقلَهُ.

وكذلك قد يَعْرضُ له في المخاوف ما يذهل لبَّه (١) ويزيل عقلَه، بحيث يبقى مستغرقًا في مشهوده وموجوده.

كما يذكرون أنَّ رجلًا كان يحب آخر، فألقى المحبوبُ نفسه في اليمّ، فألقى المحبُّ نفسه خلفه، فقال: أنا وقعتُ، فما الذي أوقعك معي؟ فقال: غبتُ بك عني، فظننتُ أنك أنّي. وقد ذُكِرَتْ قَبْل (٢).

والحكايات في مثل هذا كثيرة. لكن لا يقول عاقل: إنَّ مثل هذا كمالٌ ممدوح مأمور به، لا في حقِّ (٣) الممدوح ولا في المذموم.


(١) الأصل: "اليه" تحريف وقد جاءت على الصواب قبل سطر.
(٢) (ص ١٦٠).
(٣) الأصل: "الحق" سهو.