والآخر لا يأمره، كان عند الذي يأمره بذلك دون الآخر، لأن ذلك الآمر له هو المطيع لله ورسوله في تربيته، والآخر عاصٍ الله ورسوله. فلا يُقدَّم من يَعصي اللهَ فيه على من يُطيع الله فيه، بل يجب إذا كان أحد الأبوين يفعل معه ما أمر الله به ورسولُه، ويترك ما حرَّم الله ورسولُه، والآخر لا يفعل معه الواجب، أو يفعل معه الحرام= قُدِّمَ من يفعل الواجبَ ولو اختار الصبيُّ غيرَه، بل ذلك العاصي لا ولايةَ له عليه بحالٍ.
بل كلُّ من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولايةَ له، بل إمّا أن يُرفَع يدُه عن الولاية ويُقام من يفعل الواجب؛ وإمَّا أن يُضمَّ إليه من يقوم معه بالواجب. فإذا كان مع حصوله عند أحد الأبوين يَحصُل طاعةُ الله ورسوله لاحقُه، ومع حصوله عند الآخر لا يَحصُل له= قُدِّم الأوَّلُ قطعًا. وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يَحصُل بالرحم والنكاح والولاء، وإن كان الوارث حاضرًا وعاجزًا، بل هو من جنس الولاية ولاية النكاح والمال التي لابدَّ فيها من القدرة على الواجب وفعله بحسب الإمكان.
وإذا قُدِّر أن الأب تَزوَّج بضَرَّةٍ، وهو يتركُها عند ضرَّة أفها، لا تَعمل مصلحتَها بل تُؤذِيها أو تُقَصِّر في مصلحتها، وأمُّها تَعملُ مصلحتَها ولا تُؤذيها، فالحضانة هنا للأم قطعًا، ولو قُدِّر أن التخيير مشروع وأنها اختارت الأمَّ، فكيف إذا لم يكن كذلك؟
ومما ينبغي أن يُعلَم أن الشارع ليس له نصٌّ عام على تقديم أحد الأبوين مطلقًا، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقًا. والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدُهما مطلقًا، بل مع العدوان والتفريط والفساد والضرر لا يُقدَّم من يكون كذلك على البَرِّ العادل المحسن القائمِ بالواجب.