للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد علَّلُوا أيضًا تقديم الأب بعلةٍ ثانية: بأنها إذا صارت مميزةً صارت ممن تُخطَب وتُزوَّج، واحتاجت إلى تجهيزها. فإذا كانت عند الأب كان أنظرَ لها وأحرصَ على تجهيزها وتزويجها مما إذا كانت عند الأم.

وأبو حنيفة يوافق أحمد على أن الأب أحق بها من الخالة والأخت والعمة وسائر النساء، بخلاف ما قاله في الصبي، فإنه جعل الأب أحقَّ به مطلقًا. لكن قال: الأمُّ والجدةُ أحق من الأب. فكلاهما قدَّم الأب وغيرَه من العصبة على النساء، لكن أحمد طردَ القياسَ، فقدَّمَه على جميع النساء، وأبو حنيفة فرَّق بين عمودِ النسب وغيرِه. والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قال: "الخالة أم" (١). فإذا قُدِّم الأبُ على النساء اللائي يُقدَّمن عليه في حالِ صغرِها دلَّ ذلك على أن الأب أقوم بمصلحة ابنته من النساء. وتبيَّن أن أصل هذا القول ليس في مفردات أحمد، بل هو طرد فيه قياسَه. وبكلِّ حالٍ فهو قولٌ قويٌّ متوجِّه، ليس بأضعفَ من غيرِه من الأقوال المقولة في الحضانة، وليس قول من رَجَّح الأمَّ مطلقًا بأقوى منه.

ومما يُقوِّي هذا القول أن الولد مطلقًا إذا تعيَّن أن يكون في مدينة أحد الأبوين دون الآخر، وكان الأب ساكنًا في مصير والأمُّ ساكنة في مصرٍ آخر، فالأب أحقُّ به مطلقًا، سواء كان ذاكرًا أو أنثى عند عامة العلماء، كشريح القاضي وكمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، حتى قالوا: إنّ الأب إذا أراد سفرَ نُقلةٍ لغير الضرار إلى مكانٍ بعيد فهو أحقُّ به، لأن كونه مع الأب أصلح له، لحفظِ نسبِه وكمالِ تربيته


(١) أخرجه البخاري (٢٦٩٩، ٤٢٥١) عن البراء بن عازب بلفظ: "الخالة بمنزلة الأم".