للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجتهدون قد تنازعوا فيه، فإنه يُستدل على ذلك تارةً بالأدلة السمعية الدالة على كونه طاعةً أو ليس كذلك، وتارةً بالأدلة النظرية، وهو ما ترتب على ذلك العمل من المصلحة والمفسدة، كما قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)) (١)، فأخبر أنه سيُرِي الآيات الأفقية والنفسية التي بيَّن فيها أن القرآن حق، وهو ما فيه من الخبر والأمر والوعد والوعيد. وذلك لما يُحدِثه الله من نصر المؤمنين وجَعْلِ العاقبة لهم وعقوبةِ الكافرين، فجعل سبحانه ما يُشهَد ويُرَى من عواقب الأعمال والكمال مما يتبيَّن به الحقُّ من الباطل.

ثم قال: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣))،وهو شهادته بذلك في كلامه المسموع. فهذه الأدلة السمعية الشرعية، ولهذا قال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)) (٢)، وقال: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)) (٣)، وكما أنه يُستدَل بالأدلة السمعية والبصرية على الفرق بين المؤمن والكافر، فُيستدَل بها أيضًا على البر والفاجر من المسلمين، وعلى المطيع والعاصي، وعلى المصيب في اجتهاده


(١) سورة فصلت: ٥٣.
(٢) سورة ق: ٣٦، ٣٧.
(٣) سورة الحج: ٤٦.