للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الرابع: أنه يحب من يبغض تلك الأمور، ويجاهد أهلها، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤)) (١)، وإنما أحبهم لإعانتهم على حصول محبوبه، فتكون محبته لنفسه التي أحب من أعان على محبوبها أولى وأحرى.

فإن قيل: فتلك الأمور التي يبغضها هو خلقها بإرادته، فكيف يريد مايبغضه؟

فيقال: الشيء الواحد [قد] يكون (٢) مرادًا من وجه، مكروهًا من وجه، كما يوجد في حقنا شرب الأدوية الكريهة، فإنها مكروهة من جهة إيلامها لنا، مرادة من جهة تحصيلها للدنيا في المستقبل، وهو سبحانه إنما خلق الحوادث وأرادها لحكمة فيها، فتلك الغاية التي هي الحكمة هي محبوبة له مرضية، وإن كان بعض ما هو وسيلة إليها قد يكون مكروهًا مبغضًا مع كونه مرادًا، وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.

وأما المأمورات فهي كلها محبوبة بتقدير وجودها، إذ هي الغايات، لكن قد يريد أن تكون إذا كانت الغاية المترتبة عليها مما يحبه ويرضاه، وقد لا يريد أن تكون في بعض الصور، وإن كانت لو وقعت لأحبها، لأن وجودها قد يكون مستلزمًا لوقوع ما يبغضه ويكرهه، فكما أن المكروه قد يُراد وقوعُه لأنه وسيلة إلى المحبوب، فالمحبوب


(١) سورة الصف: ٤.
(٢) في الأصل: "لا يكون".