والمفسدة التي نهي عنها إنما هي إذا لم يفعل المنذور، أما مع فعله فالمصلحة راجحة، وإذا لم يفعل كان كاذبًا، لكونه التزم مالم يَفِ به، وهو مذموم على الكذب، كما قال تعالى:(*وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)) (١). وقد ذكرنا أن نفس المنهي عنه إذا كانت المفسدة فيه فلا يمكن رفعها، وإنما يمكن رفع ما يترتب على ذلك. وأما الأفعال كالقتل والوطء والشرب إذا رفع محرمًا فهنا لا يمكن أن يقال: لا حكم له، بل وجودُه كعدمه، بخلاف بيع الميتة ونكاح الأم، فإن هذا العقد باطل، وجودُه كعدمه.
والأقوال قسمان: قسم هو بمنزلة الفعل، كالكفر وشهادة الزور ونحو ذلك، فإن هذا إذا كذب لم يمكن أن يقال: وجود الكذب كعدمه. وكذلك إذا اعتقد الكفر بقلبه أو قاله بلسانه غيرَ مُكرَهٍ استهزاءً بآيات اللهِ لم يمكن إن يقال: وجود ذلك كعدمه. فالطلاق والعتاق عند جمهور الفقهاء مالك والشافعي وأحمد في القسم الأول من جنس البيع والنكاح وغيرهما، لا من جنس الكذب.
والقول الموجب للصدق إذا كذب صاحبُه كان الذنب له، ولم يكن رفع المفسدة إلاّ بأن يقال: الصيغة ليست التزامًا وعهدًا، وهذا ممتنع، إلاّ ترى أنه لما التزم فعلَ المحرمات أبطل الشارع ذلك، ولما التزم فعل المباحات لم يأمره بذلك، بل شرع الكفارة في الموضعين