للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على عِظَم قَدْرِه، وأنَّه لخروجه عن نظائرِه يعظم درجته ومنزلته.

وهذا يدلُّ على أن مثل هذا العمل محبوب لله مَرْضيٌّ، لا يُكتفَى فيه بمجرّد الإباحة والجواز؛ حتى يقال: وإن جاز مُقاتَلة الرجل حيث يَغْلب على ظَنِّه أنه يُقْتَل فَتَرْكُ ذلك أفضل.

بل الحديث يدلُّ على أنَّ ما فعله هذا يُحِبُّه الله ويرضاه، ومعلوم أن مثل هذا الفعل يُقْتَلُ فيه الرجل كثيرًا أو غالبًا، وإن كان ذلك لتوبته من الفرار المحرَّم، فإنَّه مع هذه التوبة جاهَدَ هذه المجاهدة الحسنة.

قال الله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠)) (١).

وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المُهاجِر مَن هَجَرَ ما نَهَى الله عنه" (٢).

فمن فَتنهُ الشيطان عن طاعة الله لمَّ هَجَرَ ما نهى الله عنه وجاهد وصبر كان داخلاً في هذه الآية. وقد يكون هذا في شريعتِنَا عِوضًا عمّا أُمِرَ به بنو إسرائيل في شريعتهم لما فُتِنوا بعبادة العِجْل بقوله: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (٣).

وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (٦٤)) إلى قوله: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ .. ) (٤).


(١) سورة النحل: ١١٠.
(٢) سبق تخريجه (ص ٣٤٤).
(٣) سورة البقرة: ٥٤.
(٤) سورة النساء: ٦٤ - ٦٦.