للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هدايتهم أو إضلالهم، بل تنكر أن يقدر على ما به يهتدي العبد غير ما خلقه فيه (١).

فقوله: "ماضٍ فيَّ حكمُك" اعترافٌ بنفاذ حكم الله فيه، وأنه ما شاء الله به فَعَله، لا مخرج له عن حكمه.

ومعلومٌ أنه لم يُرِد مجرَّد الأمر والنهي الشرعيَّين؛ فإن العبد قد يطيع تارةً ويعصي أخرى، وإن كانت الطاعة واجبةً عليه، بل أراد الحكم القدريَّ الكونيَّ الذي هو كلماته التاماتُ التي لا يجاوزهنَّ برٌّ ولا فاجر.

فهذا يبيِّن أن حكم الله القدريِّ ماضٍ في العباد، وهو ردٌّ على القدريَّة الذين لا يُنفِذون له مشيئة، ولا يجعلون له على ذلك قدرة.

ثم قوله بعد ذلك: "عدلٌ فيَّ قضاؤك" دليلٌ على أن الله عادلٌ فيما يفعله بالعبد من القضاء كلِّه، خيره وشرِّه، حُلوه ومرِّه.

فجمع في الحديث الإيمانَ بالقدر، والإيمانَ بأن الله عادلٌ فيما قضاه، وهذا ردٌّ على الطائفتين:

أما القدريَّة، فعندهم لو كان حكمُه فيه ماضيًا لكان ظالمًا له بإضلاله وعقوبته.

وأما أندادُهم من الجبريَّة ونحوهم، فيقولون: الظلم لا حقيقة له، بل هو الممتنعُ الذي لا يدخل تحت القدرة، فلا يَقْدِر الله عندهم على ما يسمَّى


(١) الأصل: "على ما به يهتدي غير ما خلق"، والمثبت من "شفاء العليل" (٧٥٣) أقوم بالمراد.