ظلمًا حتى يقال: تَرَك الظلمَ وفَعَل العدل؛ فيكون قوله:"عدلٌ فيَّ قضاؤك" كلامًا لا فائدة فيه عندهم، بل هو بمنزلة "ماضٍ فيَّ حكمُك"، ولا يكون سبحانه ممدوحًا بفعل العدل!
والحديث دليلٌ على الثناء على الله بأنه مع كمال قدرته فإنه عادلٌ في قضائه، كما قال:{لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ}[التغابن: ١] , فهو له الملك، وله الحمد، ولهذا كان مستحقًّا للحمد على كلِّ حال.
ولو كان الظلمُ عبارةً عما لا يَقْدِر عليه لم يُمْدَح ويُثنى عليه بترك ما لا يَقْدِر عليه، كما لا يقال: لك الحمدُ إذ لم تَخْلُق مثلَ نفسك، ولك الحمدُ إذ لم تُعْدِم ذاتَك. والمُجْبِرة عندهم تركُه للظلم من هذا الباب، وعدلُه هو مجرَّد الخلق؛ فيكون قوله:"عدلٌ فيَّ قضاؤك" عندهم: أي موجودٌ فيَّ قضاؤك، أو ثابتٌ فيَّ قضاؤك. وهذا معنى قوله:"ماضٍ فيَّ حكمُك".
فعُلِم أن معنى حكمه يعود إلى قدرته ونفاذ مشيئته، وعدله في قضائه يعود إلى أنه يشاء ويختار ما هو عدلٌ لا ما هو ظلم، وأنه لا يشاء أن يَظْلِم، ولا يريد ذلك، ولا يختاره، وهو محمودٌ على ذلك، وإن كان لو شاءه لكان قادرًا عليه، كما لا يشاء ما أخبر أنه لا يكون، وعُلِم أنه لا يكون، وإن كان قادرًا عليه.
كما أخبر في غير موضعٍ من كتابه أنه لو شاء لفعل غير ما فعل، فقال تعالى:{بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[القيامة: ٤] , وقال تعالى:{وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون: ١٧].