للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسجد الأقصى، فإذا أخبرهم أنه رآه ووَصَفَه لهم - كما جاء في الحديث الصحيح (١) - كان ذلك حجةً له على أنه رآه، ولم يُمكِنْهم تكذيبُه في ذلك، بخلاف ما لو أخبر بالعروج إلى السماء ابتداءً، فإنهم كانوا إذا كذبوا بذلك لم يكن هناك ما رأوه حتى يَصِفَه لهم.

وهو سبحانَه قد أخبر بعُروجِه إلى السماء في قوله: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)) (٢).

وهو سبحانَه ذكر هذا بعد أن ذكر رؤيةَ جبريل النزلة الأخرى في الأرض، فإنه رآه على صورته مرتين، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. وقال في سورة التكوير وقد ذكر سبحانه بقوله: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)) (٣)، فهذا جبريل، ثم قال: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)) (٤).

وهؤلاء الذين يُحمَلُون إلى مكة في الهواء: منهم من مُثل له فرسٌ أو بعيرٌ، يركبُه وهو يسير في الهواء، ومنهم من لا يرى شيئًا، ومنهم من يَعرِف أنه محمولٌ. وقد حدثني منهم مَن حُمِل، وحدَّثني جماعاتٌ عن جماعاتٍ منهم وعمَّن كان قبلَنا. وأحوالُهم مع الشياطين بحسبِ بُعدِهم عن معرفةِ ما جاء به الرسولُ والعملِ به، فإنّ هذا هو


(١) أخرجه البخاري (٣٨٨٦،٤٧١٠) ومسلم (١٧٠) عن جابر.
(٢) سورة النجم: ١٣ - ١٨.
(٣) سورة التكوير: ١٩ - ٢١.
(٤) الآيات ٢٢ - ٢٩.