للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المالِ والشرف ما لا ينفعه بعد الموت، لكان صاحبَ باطلِ ولعب وعبث، فكيف إذا طلب ماهو صار له بعد الموت يُفسِد ما ينفعُه، كإفسادِ الذئبينِ الجائعين لزريبة الغنم. ولهذا إنما جعل ذلك الحرص على المال والشرف، والحرص يُوجِب الشُحَّ، فإن الشُحَّ أصله شدةُ الحرص.

وفي الصحيحين (١) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إياكم الشُّحَّ، فإن الشُّحَّ أهلكَ من قبلكم، أمرَهم بالبخل فبَخِلُوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعةِ فقطعوا".

ورئيَ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يَطوف وهو يقول: "رَب قِنِيْ شُحَّ نفسي، رب قِنِي شُحَّ نفسي"، فقيل له: ما أكثرَ ما تدعو بذلك! فقال: إذا وُقِيتُ الشحَّ وُقِيتُ البخلَ والظلمَ والقطيعةَ (٢).

وذكر رجلٌ لابن مسعود رضي الله عنه أنه يكره إخراجَ المال، أفشحيحٌ هو؟ فقال ابن مسعود رضي الله عنه: ذلك البخيل، وبئس الشيء البخل، ولكن الشُّحَّ أن تُحِبَّ أخذَ مالِ أخيك (٣).

ولهذا الشحُّ كان أعظمَ من البخل، فإن البخيل يَبخَلُ بما عنده، والشُّحُّ هو شدَّة الحرص، فهو عمل على الحسد حتى يكره أن يُعطِيَ الله تعالى غيرَه من فضلِه، وعمل على الظلم والقطيعة حتى يأخذ مالَ غيرِه بغير حق. ولهذا قال الله تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً


(١) لم أجده في الصحيحين، وقد أخرجه أحمد (٢/ ١٥٩، ١٩١، ١٩٣، ١٩٥) والدارمي (٢٥١٩) وأبو داود (١٦٩٨) عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(٢) أخرجه الطبري (٢٨/ ٢٩) وغيره، انظر "الدر المنثور" (٨/ ١٠٨).
(٣) أخرجه الطبري (٢٨/ ٢٩) وغيره، انظر "الدر المنثور" (٨/ ١٠٧).