والثاني: لأن التحليل من جنس السفاحِ لا من جنس النكاح، فإنه غير مقصود. ولهذا كان الزوجُ مُشبهًا فيه بالتيس المستعار، الذي يقصد استعارتَه لا مصاحبتَه.
فلما كان مفسدةُ وقوع الثلاث قليلةً لقلَّةِ التحليل، وكان الناس قد أكثروا مما نُهُوا عنه منَ إيقاع الثلاثِ جملةً، رأى عمر أن يعاقبهم بإنفاذ ذلك عليهم، لئلا يفعلوا ذلك، فالشارع حرَّم عليهم المرأة بعد الثالثة عقوبةً لهم، فرأى عمر وغيرُه أنهم إذا أكثروا من إيقاعها مجتمعة استحقوا هذه العقوبة. بخلاف ما كان على عهد رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وأول خلافته، فإنها كانت قليلةً في الناس، وكانوا ينتهون بنهي الشارع، فلم يكن في وقوعها قليلاً حاجة إلى عقوبة. ولا ريبَ أنه إذا كثر المحظور احتاجَ الناسُ فيه إلى زجرٍ أكثر مما إذا كان قليلاً.
ولهذا لما رأى الصحابة رضي الله عنهم كثرةَ شُرْب الناسِ الخمرَ واستخفافَهم بالعقوبة التي هي أربعون جَلَدوا ثمانين، وَكان عمر مع ذلك يَنفِي ويَحلِق الرأسَ، لأن عقوبة الشارب لم يُقدِّر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها قدرًا مؤبدًا كما قدَّر في القذف، لا عددًا ولا صفةً، بل أقل ما ضرَب أربعين، وكان يضرب بالجريد والنعال وأطراف الثياب، وقد أمر بقتل الشارب في الرابعة (١)، فكان صفةُ عقوبتِه وقدرُها مُفوَّضًا إلى اجتهاد الأئمة، ولو كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجبَ فيها حدًّا حرَّمَ ما زاد عليه لامتنعَ عليهم أن يُبدِّلوا شريعتَه، فإنهم لا يتفقون على ضلالةٍ.
وإذا كان هذا فعلَه عمر على وجه العقوبةِ والتعزير بذلك لكثرة إقدام الناس على المحظور، لا لأنه شرع لازم لكل من تكلَّم بذلك،