للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موجود فهو عندهم الرب العبد، كان حقيقة قولهم إنكار محبة الله ومعرفته وعبادته. فجعلوا المعبود بذاته إنما هو الهوى، كما قال صاحب الفصوص "فصوص الحكم" ابنُ عربي: "وكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل، كما سلّط موسى عليه، حكمةً من الله ظاهرة في الوجود، ليُعبَد في كل صورة، وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك فما ذهبت إلا بعد أما، تلبَّستْ عند عابدها بالألوهية، ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا عُبِدَ، إما عبادةَ تألُهٍ، وإما عبادةَ تسخير- إلى أن قال- وأعظم محل فيه عُبدَ وأعلاه الهوى، كما قال: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (١) فهو أعظَم معبود، فإنه لا يُعبَدُ شيء إلا به، ولا يُعبَد هو إلا بذاته " (٢).

وهذا جهل منه حيث قال: "لا يُعبَدُ إلا بذاته"، فإن الهوى نفسه إن عُنِيَ به المَهْوِيّ، فكل ما هُوِيَ فهو هَوى، فإذن كل ما هُوِيَ فقد هُوِيَ لذاته، فيبطل التخصيص.

وإن عُنِيَ به نفس المصدر الذي هو نفس إرادة النفس مثلاً، فذاك هو القصد والإرادة التي تكون عبادة، فكيف تكون العبادة هي المعبود؟

وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لا تكن ممن يتبع الحقَّ إذا وافق هواه، ويخالفه إذا خالف هواه.

فإذن هو لايثاب على ما اتبعه من الحق، ويعاقب على ما اتبعه من


(١) سورة الجاثية: ٢٣.
(٢) فصوص الحكم (١/ ١٩٤).