للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (١) لا يقتضي أن الإمام يُخيّر تخيير مشيئة، فيفعل أيَّ هذه الأربعة شاء، بل كلهم متفقون على أنه يتعين هذا في حال وهذا في حال.

ثم أكثرهم يقولون: تلك الأحوال مضبوطة بالنصّ، فإن قَتَلوا تعيَّن قتلُهم، وإن أخذوا المالَ ولم يقتلوا تعيَّن قطعُ أيديهم وأرجلهم من خلاف، كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد (٢)، وروي في ذلك حديث مرفوع (٣).

ومنهم من يقول: بل التعيين باجتهاد الإمام، كقول مالك، فإن رأى أن القتل هو المصلحة قتل، وإن لم يكن قد قَتل.

ومن هذا الباب تخيير الإمام في الأرض المفتوحة عنوة بين جعْلِها فيئًا وجَعْلِها غنيمةً، كما هو قول الأكثرين كأبي حنيفة والثوري وأبي عبيد وأحمد في المشهور عنه، فإنهم قالوا: إن رأى المصلحةَ في جَعْلِها غنيمةً قَسمها بين الغانمين، كما قَسَمَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر؛ وإن رأى أن لا يَقسِمها جاز، كما لم يَقْسِم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكةَ مع أنه فتحها عنوةً، كما شهدتْ بذلك الأحاديث الصحيحة والسيرة المستفيضة، وكما قاله جمهور العلماء. ولأن خلفاءه بعدَه أبا بكر وعمر وعثمان


(١) سورة المائدة: ٣٣.
(٢) انظر "المغني" (١٢/ ٤٧٥ وما بعدها).
(٣) يُروى مرفوعًا وموقوفًا على ابن عباس، أخرجه أبو يوسف في كتاب "الخراج" (ص ١٧٧) والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٢٨٣). وانظر "الدر المنثور" (٣/ ٦٨). وفي "المغني" (١/ ٤٧٧٢): "قيل إنه رواه أبو داود". ولا يوجد عنده.