بالأسباب المعتادة، فإن العادة لا تحصل بهذا الولد، وكذلك العلم الذي علَّمه الخَضِرَ من لدنه لم يكن بالتعلم المعهود، وكذلك الرحمة الموهوبة، ولهذا قال:(إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)) (١).
وقوله:"مغفرة من عندك"، لم يقل فيه "من لدنك مغفرة" بل "من عندك"، ومن الناس من يُفرِّقُ بين "لدنك" و"عندك"، وهكذا قد يُفرَّق بين التقديم والتأخير، فإن لم يكن بينهما فرقٌ فقد يكون المراد: اغفر لي مغفرةً من عندك لا تَصِلُها بأسبابٍ، لا من عزائم المغفرةِ التي تغفر لصاحبها، كالحج والجهاد ونحوهما ما يُوجب المغفرةَ لصاحبه، بل اغفر لي مغفرة تَهَبُها لي وتَجُودُ بها عليَّ بلا عمل يقتضي تلك المغفرة.
ومن المعلوم أن الله تعالى قد يَغفر الذنوبَ بالتوبة، وقد يغفرها بالحسنات الماحية، وقد يغفرها بالمصائب المكفرة، وقد يغفرها بمجرد استغفار العبد وسؤاله أن يغفر له، فهذه مغفرة من عنده. فهذا الوجه إذا فُسِّر به قوله:"من عندك" كان أحسنَ وأشبهَ مما ذكر من الاختصاص.
وأما قوله:"والأشياء كلُّها من عندهِ"، فيقال:[إن] للأشياء وجهين: منها ما جُعِل سببًا من العبد يوفيه عليه، ومنها ما يفعله بدون ذلك السبب، بل إجابةً لسؤالِه وإحسانًا إليه. واستعمال لفظ "من عندك" في هذا المعنى هو المناسب، دون تخصيص بعض الناس دون بعض، فإن قوله "من عندك" دلالته على الأول أبين،