للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي موطأ مالك (١): "اللهمَّ لا تجعلْ قبرِيْ وثنا يُعبَد، اشتدَّ غضبُ الله على قوم اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد". وفي المسند (٢) وغيره عن ابن مسعود عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن من شِرارِ الناس مَن تُدرِكُهم الساعةُ وهم أحياءٌ، والذين يتخذونَ القبورَ مساجدَ". رواه أبو حاتم في صحيحه (٣).

ولهذا اتفق السلف والأئمة على أن من سلَّم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو غيره من الأنبياء والصالحين عند قبرِه فإنه لا يتمسَّح بالقبر ولا يُقَبله، بل اتفقوا على أنه لا يُشرَع أن يَستَلِم ويُقَبِّلَ إلاّ الحجرَ الأسودَ، والركن اليماني يُستلَم ولا يُقبَّلُ على الصحيح، وإذا سلَّم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأرادَ أن يَدعوَ استقبلَ القبلة، ودعا في المسجد، ولم يَدْعُ مستقبلا للقبر، كما كان الصحابة يفعلون، وهذا ما أعلمُ فيه نزاعًا بين أَهل العلم، وإن نُقِل في ذلك [ما] يُخالف ذلك عن مالك مع المنصور فلا أصلَ لها.

وإنما تنازعوا في وقت التسليم عليه: هل يُستَقبَل القبرُ أو يُستقبلُ القبلةُ؟ فقال أصحابُ أبي حنيفة: يُستقبلُ القبلة، وقال الأكثرون: بل يُستقبَل القبر. وكانت حجرتُه خارجةً عن المسجد، فلما كان زمنَ الوليد بن عبد الملك أمر أن يُزَادَ في المسجد، فاشتُرِيَتِ الحجرةُ التي شرقيَّ المسجدِ وقِبْلِيَّها من أهلها وزيدتْ في المسجد،


(١) ١/ ١٧٢ عن عطاء بن يسار مرسلا.
(٢) ١/ ٤٠٥، ٤٣٥. وأخرجه أيضًا ابن خزيمة (٧٨٩).
(٣) انظر موارد الظمآن (٣٤٠).