وإما أن يُقال مسافة العدوَى في مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، وهو ما لا يمكن الذاهبَ العودُ إليه في يومه، وهذا يُناسب قولَ من جعل الغائبَ عن البلد كالغائب عن مجلسِ الحكم. وفيه أيضًا من الفقه أنه إذا كان كذلك شق الحضورُ، بخلاف مَن يُمكنه العَوْد. ولكن إلحاقَ الصلاة بالصلاة أولى من إلحاق الصلاة بالحكم.
فهذه هي المآخذ التي يَنْبني عليها جوابُ هذه المسألة. إذا تبيَّن ذلك فنقول: القلعة والقاهرة تشبه جانبي بغداد، فمن جوَّز الصلاةَ في أحد جانبي بغداد على من مات في الجانب الآخر كقول بعض أصحاب الشافعي وأحمد، فإنه يُجوِّز أن يُصلَّى على من مات في القلعة أو القاهرة على من مات في الآخر، وعلى قول هؤلاء فصلاةُ أهل القاهرة على من مات في مصر بالعكس، وصلاةُ أهل القلعة على من مات بمصر وبالعكس أولى بالجواز، فإن القاهرة والقلعة يجمعهما سورٌ واحدٌ، ومصر خارجة عن ذلك، لأنهما بالبلد الواحد الكبير الذي له جانبانِ أشبه، لكن أكثر العلماء كأصحابِ أبي حنيفة ومالك واكثر أصحاب الشافعي وأحمد لا يُجوِّزون الصلاة في أحد جانبي البلد وإن كان كبيرًا على من مات في الجانب الآخر، حتى صرَّحوا بأن بغدادَ - مع كونها محالَّ كثيرةً، ولها جانبان بينهما دجلةُ، ومع كون الجمعة تُقامُ بها في مواضع من حين بُنيَتْ بغدادُ من زمن أبي جعفر المنصور وإلى الساعة - صَرَّحوا مع ذلك أنه لا يُصلَّى في أحد جانبيها على من مات في الجانب الآخر.