للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على عملِه ولا يظلمه، والمنةُ لله على هذا وعلى هذا.

ومن هذا الباب دعاء الملائكة للمؤمنين وسائر الأسباب، بل من هذا الباب جميع ما يعمله العباد من القُرَب والطاعات، فإن للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثلَ أجورهم من غير أن يَنْقُص من أجَورهم شيئًا، كما ثبت عنه في الصحيحَ (١) أنه قال: "من دعا إلى هُدً ى كان له من الأجر مثلُ أجور من اتبعَه، من غيرِ أن يَنْقُصَ من أجورهم شيئًا، ومن دَعَا إلى ضلالة كان له من الوِزْرِ مثلُ أوزارِ من اتبعَه من غير أن يَنقُص من أوزارِهم شيئًا". وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٢): "من سَن سنةً حسنةً كان له أجرُها وأجرُ من عَمِلَ بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا". وهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد سن سُنَنَ الهدى جميعَها لأمته.

ومن هذا الباب يَبيْنَ جوابُ المسألة، فإن القائل يقول: إذا كان إهداءُ القُرَب إلى الموَتى مشروعا وإن كانوا فضلاء، فما بالُ السلف لم يكونوا يفَعلون القربَ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن الخلفاء الراشدين؟

بل ولا عن شيوخهم معلّميْهم ومؤدّبيهم الذين علَّموهم العلمَ والإيمان؟ والسلفُ كانوا أحرصَ على الخير منا، فلا يمكن أن يقال: تركوه جهلا به ولا رغبة عنه، وهذا هو الذي يَظهر به إشكالُ المسألة، فإن ما تقدم يَحتبئُ به من يستحب إهداءَ ثواب القرباتِ إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما ذهب إليه طائفة من الفقهاء والعبّادَ من أصحاب أحمد وغيرهم، وأقدمُ من بَلغَنا ذلك عنه علي بن الموفق أحد


(١) مسلم (٢٦٧٤) عن أبي هريرة.
(٢) مسلم (١٠١٧، وقبل رقم ٢٦٧٤) عن جرير بن عبد الله.