للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أعمال الأنبياء من ذريته، وكذلك نوح وغيره، وليس كذلك، بخلاف الداعي إلى الخير كنبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن له مثل أعمال أمته التي دعاهم إليها، فأجر المعلم الداعي للخير مثل أجر المدعوِّ العامِل، بخلاف الوالد والولد، ولهذا حقّ النبي وخلفائه في دعوته على المدعوين والمعلمين أعظم من حقوق الآباء، كما قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (١)، وفي القراءة الأخرى: "وهو أب لهم" (٢).

وقد تكلم الناس في هذا المقام بكلام كثير، قالوا: هذا هو الأب الروحاني، وهذا هو الأب الجثماني، وهذا هو سببٌ للسعادة الأبدية من الدار الآخرة، وهذا سببٌ لوجوده في الدنيا. وبالجملة فالداعي إلى الخير قصد أن يعمل المدعوُّ ذلك الخير، وسعى في ذلك بحسب وُسْعِه، فهو قد قصد العمل الصالح الذي فعله المدعو، أو قصد نفع المدعو، وأما الوالد فقد يقصد هذا وقد لا يقصدهُ، ولو قصده بالدعوة إلى حصول المدعو أقرب من نفس وجود الولد إلى حصول سعادته، فإنها هي السبب القريب ووجود السبب البعيد، ومعلوم أن الإنسان يجب عليه إن يطع معلِّمَه الذي يدعوه إلى الخير ويأمره بما أمره الله به ورسوله، ولا يجوز له أن يطيع أباه في مخالفة هذا الداعي، بل طاعة هذا الداعي طاعة لله ورسوله، وطاعة الوالد لمخالفة هذا الداعي طاعة


(١) سورة الأحزاب: ٦.
(٢) انظر تفسير القرطبي (١٤/ ١٢٣).