للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدل على أنه لا يفعل هذا وأمثاله بغير إذنه، فإن في الحديث أن حنش الصنعاني قال: رأيتُ عليًّا يضحِّي بكبشين، فقلت له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه. فسؤال حنش لعلي دليل على أنه لم يكن من المعروف عندهم أن تُفعَل العباداتُ البدنيةُ أو الماليةُ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجوابُ علي له بقوله "إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاني أن أضحِّي عنه" دليل على أنه إنما فعل ذلك لأجل الوصية، وأنه لو لم يُوصِّه لم يفعل ذلك. ولو كان هذا ونحوه مما يُفعَل بوصية وبغير وصية لكان عليّ يجيب بهذا الجواب أيضًا، فإنه يكون أعم فائدة وأقطع لسؤال السائل، لأنه هو الذي نقل أنه وصاه، وأما كون ذلك يفعل عنه فدليل هذا يشترك فيه عليٌّ غيرَه، ثم كان ينتفع بذلك في جميع العبادات أو في العبادات المالية.

وأما قول القائل: "إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد دعا الناس إلى الهدى والخير كله، وله أجر كل من اتبعه" فكلام صحيح كما تقدم، لكن قد تقدم فساد هذا القياس وبطلان هذا، وتبين أن كونه سبحانه وتعالى مالكًا لكل شيء وربّه وخالقه لا يستلزم وجود الإيمان والعمل الصالح من العبد إلا بأمره بذلك وبهديه إليه، فإنه سبحانه رب المؤمن والكافر والبر والفاجر، وله الدنيا والآخرة، وهذه الربوبية العامة الشاملة لكل شيء يشترك فيها أولياؤه وأعداؤه، وأهل جنته وناره، وإنما يفترقون في توحيد إلهيته، وهي عبادته وحده لا شريك له وطاعته وطاعة رسوله، فمن قام بهذا التوحيد والطاعة كان مؤمنًا سعيدًا، ومن لم يقم بها كان كافرًا شقيا، وأنه