للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما قال بعض الشعراء (١) يخاطب محبوبًا له نالَه ببعض ما يكره:

لئِنْ سَاءَني أن نِلتَني بمَسَاءةٍ ... لقد سَرَّني أنّي خَطَرتُ ببالِكا

النوع الرابع (٢): ما يحصل له بفعل الناس في ماله أو عِرضِه أو نفسِه، فهذا النوع يَصعُب الصبرُ عليه جدًّا، لأنّ النفس تستشعِرُ المُؤذيَ لها، وهي تكره الغلبة، فتَطلبُ الانتقام، فلا يَصبِر على هذا النوع إلاّ الأنبياء والصدّيقون.

وكان نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أُوذِي يقول: "يَرحمُ اللهُ موسى، لقد أُوذِي بأكثر من هذا فصَبر" (٣). وأَخبَر عن نبي من الأنبياء أنه ضربَه قومُه، فجعلَ يقول: "اللهم اغفِرْ لقومي، فإنهم لا يعلمون" (٤). وقد رُوي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه جرى له مِثلُ هذا مع قومه، فجعل يقول مِثلَ ذلك (٥). فجمع في هذا ثلاثة أمور: العفو عنهم، والاستغفار لهم، والاعتذار عنهم بأنهم لا يعلمون.

وهذا النوع من الصبر عاقبتُه النصرُ والهُدى والسُّرور والأمنُ، والقوة في ذاتِ الله، وزيادة محبةِ الله ومحبة الناس له، وزيادة العلم.


(١) هو ابن الدمينة، والبيت من قصيدة مشهورة له بعضها في حماسة أبي تمام (٢/ ٦٢ - ٦٣)، وتمامها في ديوانه (ص ١٣ - ١٨)، وهناك التخريج. وقد وجدت القصيدة في ٢١ بيتًا في "الفصوص" لصاعد (١/ ٦٧ - ٧٠). وفي جميع المصادر قافيتها كاف مكسورة.
(٢) كذا في الأصل، والأولى أن يكون "الثاني" من نَوعَي المصائب.
(٣) أخرجه البخاري (٣١٥٠،٣٤٠٥ ومواضع أخرى) ومسلم (١٠٦٢) عن ابن مسعود.
(٤) أخرجه البخاري (٣٤٧٧،٦٩٢٩) ومسلم (١٧٩٢) عن ابن مسعود.
(٥) أخرجه الطبراني عن سهل بن سعد، كما في "مجمع الزوائد" (٦/ ١١٧). قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.