ثم قال: احتجّ بأنه ادّعى التسليم إلى من لم يأتمنه بالحفظ، فهو كما لو ادّعى تسليمها إلى أجنبي. والواجبُ أن الأجنبي لو صدَّقَه صاحبُ الوديعة أنه سلّم إليه ضمن كذلك إذا لم يصدِّقه.
وفي مسألتنا لو صدَّقه أنه سلّم إليه لم يضمن إذا ادّعى التسليم، وله فيه حق. وأما إذا كان بحضرة المضمون عنه رجع، ولم يكن مفرطًا بترك الإشهاد عندنا في الصحيح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي. ومن أصحابه من قال: هو كالغيبة، فلا يرون تفريطه بالحضور، فيصير لهم في هذه المسألة ثلاثة أوجه. وكذلك ذكر ابن عقيل والقاضي أنه لا يرجع، وهو ظاهر كلام أبي الخطاب، لأن هذا القضاء لا يُترك في الظاهر بخلاف المشهود به.
قلت: فهذا كما في "المحرر"، وفيه الفرق بين مسألة الضمان والثاني، ذكر الوجهين في القضاء في الحضور في مسألة الضمان دون مسألة الوكالة. وكذلك ذكر أبو محمد في "المغنى" مثل ما ذكر المجد في كتابيه، وعلى هذا فالفرق أن يقال: إذا وكَّله في القضاء، ولم يأمره بالإشهاد، فقد فعل ما أمره به من غير تفريط.
أما في الضمان فهو لم يأمر الضامن بالوفاء، لكن الوفاء وجب على الضامن بحكم الضمان، فلو أذن له في الضمان فالموجب للوفاءِ الضمانُ دُونَ الإذن، لا سيّما على ظاهر المذهب للضامن الرجوع وإن ضمن بغير إذن. وكذلك من أدى عن غيره واجبًا عليه، كفداء الأسير. وإذا كان الوفاء هنا حصل بإذن الشارع وإيجابه فالمتصرف عن غيرِه بحكم الشرع مأمور بأن يتصرف بحسب المصلحة، بحكم التصرف بالوكالة أنه سمع الأمر. ولهذا لو أذن له فيما فيه ضرر