للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمين، وولاية بيعها وصرفها لهم. فالمشتري لذلك منهم إذا أعطاهم الثمن لم يكن بمنزلة من اشترى المغصوب المحضَ الذي لا تأويلَ فيه ولا شبهة، وليس لصاحبه ولاية بيعه، حتى يقالَ: إنه فعلَ محرَّمًا يفسق بالإصرار عليه. وفي المنع من شرائها إضرار بالناس وإفسادٌ بالأموال من غير منفعةٍ تعودُ على المظلوم، والمظلومُ له أن يطالب ظالمَه بالثمن الذي قبضَه إن شاءَ أو بنظيرِ مالِه.

والتورع عن هذه من التورع عن الشبهات، ولا يُحكَم بأنها حرام محض، ومن اشتراها وأكلها لم يجب الإنكار عليه، ولا يُقال: إنه فَعَلَ محرَّمًا لا تأويل فيه، فإن طائفة من الفقهاء أفتَوا طائفة من الملوك بجواز وضعِ أصل هذه الوظائف، كما فعل ذلك أبو المعالي الجويني في كتابه "غياث الأمم" (١)، وكما ذكر بعضُ الحنفية. وما قُبض بتأويل فإنه يَسُوغ للمسلم أن يشتريه ممن قبضَه، وإن كان يعتقدَ المشتري أن ذلك العقد محرم. كالذمي إذا باعَ خمرًا وأخذَ ثمنَها، جاز للمسلم أن يعامِلَه في ذلك الثمن وإن كان المسلم لا يجوز له بيع الخمر، كما قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: "وَلُوهم بيعَها وخُذوا أثمانَها" وهذا ثابت عن عمر -رضي الله عنه- (٢)، وهو مذهب الأئمة.


(١) ص ٢٨٣.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٩٨٨٦، ١٠٠٤٤) عن سويد بن غفلة، والبيهقي في السنن الكبرى (٩/ ٢٠٥ - ٢٠٦) عن ابن عباس، كلاهما عن عمر.