للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهؤلاء -كما ترى- مختلفون في التأويل تحريمًا وجوازًا، وصحةً وفسادًا.

وأما المعتزلة فهم وإن كانوا أكثر تأويلاً فإنهم مختلفون في عامة التأويلات صحةً وفسادًا، ومختلفون أيضًا في جنس كثير من التأويل، مثل اختلافهم في نصوص عذاب القبر ونعيمه: هل تُتأؤل أو تُجرَى على ظاهرها؛ وفي نصوص الصراط والميزان والحوض: هل تُتأوّل أو لا تُتأوّل، إلى غير ذلك. منهم من يُبيح تأويلَ ذلك ويصححه، ومنهم [مَن] يُحرِّمُه ويُبطِله.

وسأذكر إن شاء الله مذاهبَ الأمة في أجناس التأويلات، وإنما الغرض هنا أن من تعصَّب لفرقةٍ من أهل الكلام وجَعَلَهم هم المعتبرين دون غيرهم، بحيث يُبيح لهم التأويل ويَدَّعي أن أحدًا من المعتبرين لم يَحْظُره عليهم= لم يصحَّ له ذلك؛ إذ ما من طائفة إلاّ وقد حُرِّم وأنكِرَ عليها أنواع من التأويل.

الوجه الثاني: أن تعيينَ القائل طائفةً دون غيرِها وتسميتها بالمعتبرين لا يَخفَى أنه نوعٌ من التحكّم والتعصب، فإن مجرَّد [قول] القائل: أنا معتزلي أو أشعري، أو أنا من أهل الحديث أو من الفقهاء، أو إني حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي، [لا] يصير به من المعتبرين عند الله ورسوله، بحيث يُباحُ له في الشرع بذلك ما كان محظورًا، ويسوغ له من التأويل ما كان محجورًا عليه.

الوجه الثالث: أنّا قلنا: "تأويل أهل الكلام المخالف لأهل الحديث باطل"، وذلك لا يُوجب أن يكون تأويلُ طائفة معينة باطلاً،