للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاختلاف في كلام الله وكلامِ رسوله، ونفورُ الناس عن القرآن والإسلام، ونفورُ أهل الباطل عن الحق. والتأويلُ هو أسرعُ إلى القبول وأدعَى إلى الانقياد، فأقلُّ أحوالِه أن يكون بمنزلةِ تعليل الأحكام الشرعية المنصوصة، فإن التعليل فيه فائدة الاطلاع على حكمة الشارع التي يحصل بسببها من العلم والإيمان ما لا يَحصُل بدونها، مع أن الحاجة لا تدعو إليها، فكيف بتأويل الخطاب الذي عارض ظاهرُهُ القواطع العقلية والسمعية.

الرابع: أن الطالب الذكي يَضيق صدرُه بأسْرِ التقليد، ويُحِبُّ أن يخرج إلى بُحْبُوحة العلم، فلا تقنَع نفسُه ويَرضَى عقلُه إلاّ بالوقوفِ على التأويل، وهو بدونه يعتور عقله الشبهات وصدره الحرج والضيق، فإذا عرفَ التأويل اطمأنّ قلبُه وانشرحَ صدرُه ورَضِيَ عقلُه، والبدنُ لو احتاجَ إلى طعام وشراب لغذاءٍ أو دواءٍ يَحصلُ له الضَّرَرُ بفَقدِه لأباحَهُ الله له، بل قد أباحَ الأكلَ في الصوم الواجب للمريض والمسافر إذا وَجَدَ مشقةً بالصوم، وأباحَ تركَ القيام في الصلاة إذا خافَ زيادةَ المرض أو لِطول البُرْء. فكيف لا يُبيحُ ما يَضرُّ عَدَمُه القلوبَ لِعقولها والنفوس لِوجودِها، ويَزِيد بعَدَمِه مرضُ القلب والدين، أو يتأخر بفَقْدِه الشفاءُ من مرضِ الكفرِ والنفاق. وكما أَن الأطعمة والأشربة تختلف شهوةُ الناس وحاجتُهم إليها باختلاف قُواهم وأمزاجهم، فرُبَّ مزاج يَقْرَمُ إلى اللحم ما لا يَقْرَمُه غيرُه، ومن كان مقيمًا بطَيْبَةَ إبَّان الجدادِ كانت شهوتُه إلى الرُّطَب بخلافِ شهوة سُكّان الشام، ومن كانت رياضتُه البدنية أقوى وأكثر -كالحمّالين والحرَّاثين- كانت حاجتهم إلى الطعام أشدَّ.