للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن أهلِه، حتى أهل مكة يُهِلُّون منها".

وإذا اجتاز بالمواقيت لا يُرِيد الحرمَ، فليس عليه الإحرامُ بالاتفاق.

وإن اجتاز بها يُريد مكةَ لتجارة أو زيارة أو غيرِ ذلك مما لا يتكرر، فإنه ينبغي له أن يَدخُل محرمًا بحج أو عمرة. وهل ذلك واجب؟ فيه قولان للعلماء، والجمهور على الوجوب، وهو مأثور عن ابن عباس، حكاه عنه أحمد وغيره، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، وهو المشهور في مذهب الشافعي وأحمد. وعنهما أن ذلك مستحب.

ومن قال بالوجوب تنازعوا فيما إذا ترك ذلك، هل يلزمُه القضاءُ؟ فأوجبَه أبو حنيفة، ولم يُوجِبْه الباقون. وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ممن يريد الحج والعمرة" (١) لا يُنافِي هذا القولَ، فإن هؤلاء يُوجبون عليه أن يُرِيد الحج أو العمرة، لكن الحديث فيه نفي ذلك عمن (٢) لا يريده، مثل المجتاز بالمواقيت إلى غير مكة.

ولو كان منزلُه بالمواقيت أو دونَها لم يُوجبْ أبو حنيفة عليه الإحرام، وأوجبه مالك والشافعي وأحمد - علىَ قولهما بالوجوب -، وقد حكى الطحاوي الأوَّلَ عن مالك.

والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو وخلفاؤه لم يَدخُلْ أحدٌ منهم مكَّةَ إلاّ محرمًا، إلاّ عامَ الفتح، فانه دَخَلَ وعلى رأسِه المِغْفَر (٣)، ولم يكن محرمًا، لأن الله أَحَلَّ له القتالَ فيها يومَئذٍ، وقال: "إنها لم تَحِلَّ لأحدِ قبلي، ولا تَحِلُّ لأحدٍ بعدي، وإنما أُحِلَّتْ لي ساعةً من نهارٍ" (٤). وقال: "فإن


(١) في حديث ابن عباس السابق.
(٢) في الأصل: "عما".
(٣) أخرجه البخاري (١٨٤٦) ومسلم (١٣٥٧) عن أنس.
(٤) أخرجه البخاري (١١٢) ومسلم (١٣٥٥) عن أبي هريرة.