للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و"الضلال" يُراد به الهلاك، كما قال تعالى: (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١) قالوا: معناه هَلكْنا وصِرْنَا تُرابًا. وأصلُه من قوله: ضَلَّ الماءُ في اللَّبَن، إذا هَلَكَ فيه وتَلَاشَى. فإذا كان الضَّالُّ في الشيء هالكًا فيه، فالضالُّ عنه هالك عنه. ولهذا قال: (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (٢) أي: هَلَكَ وذهبَ، وهو بمعنى بَطَلَ.

فكلُّ معبودٍ سِوى الله فهو باطل وضالّ، يُضِلُّ عابدَه ويَضِل عنه، ويَذهبُ عنه، وهالكٌ عنه، إلا وجهَ الله. فعبادةُ ما سِواه فاسدةٌ وباطلٌ وضلال، والمعبود سواه فاسدٌ.

قال مجاهد في قوله: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٣) قال: إلاّ ما أرِيدَ به وجهُه. وقال سفيان الثوري: إلاّ ما ابتُغِيَ به وجهُه. كما يقال: ما يَبقَى إلاّ الله والعملُ الصالحُ. وفي الحديث: "الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلا ذِكر الله وما والاه، وعالم ومتعلم" (٤). فأيّ شيء قصدَه العبدُ وتوجَّه إليه بقلبِه أو رَجَاه أو خافَه أو أحبَّه أو توكَّل عليه أو والاه، فإنّ ذلك هالكٌ مُهلِلك، ولا ينفعُه إلاّ ما كان لله.


(١) سورة السجدة: ١٠.
(٢) سورة الكهف: ١٠٤.
(٣) سورة القصص: ٨٨. وانظر أقوال المفسرين في تفسير ابن كثير (٦/ ٢٦٨٢) و"فتح الباري" (٨/ ٥٠٥).
(٤) أخرجه الترمذي (٢٣٢٢) وابن ماجه (٤١١٢) عن أبي هريرة. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.