للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)) إلى قوله: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)) (١).

فهذه الآيات كلها في الأمر بالجهاد في سبيل الله وإنفاق المال في سبيل الله، فلا تُناسب ما يُضادُّ ذلك من النهي عمَّا يكمل به الجهاد وإن كان فيه تعريض النَّفس للشهادة، إذ الموت لابُدَّ منه، وأفضل الموت موت الشهداء. فإن الأمر بالشيء لا يُناسب النَّهي عن إكماله، ولكن المناسب لذلك النهي عما يُضِلّ عنه؛ والمناسب لذلك ما ذُكِرَ في الآية من النَّهي عن العُدوان، فإنَّ الجهاد فيه البلاء للأعداء؛ والنُّفُوس قد لا تقف عند حدُود الله بل تتبع أهواءها في ذلك، فقال: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)). فنَهَى عن العدوان؛ لأن ذلك أمر بالتقوى، والله مع المتقين كما قال: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤)). وإذا كان الله معهم نَصَرَهم وأَيَّدَهم على عدُوِّهم فالأمر بذلك أيسر، كما يَحْصُل مقصود الجهاد به.

وأيضًا فإنه في أول الآية قال: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، وفي آخرها قال: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)) فدل ذلك على ما رواه أبو أيوب من [أنَّ] إمساك المال والبخل عن إنفاقِهِ في سبيل الله والاشتغال به هو التهلكة.


(١) سورة البقرة: ١٩٠ - ١٩٥.