للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما عمرة الحديبية فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ هو وأصحابه من ذي الحليفة، ثم حَلُّوا بالحديبية لمَّا صدهم المشركون عن البيت، فكانت الحديبية حِلَّهم لا ميقاتَ إحرامهم. وهذا متواتر يعلمُه عامَّة العلماء وخاصَّتُهم، وفي ذلك أنزل الله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) (١) الآيات باتفاق العلماء.

وأما عمرة الجعرانة فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قاتل هوازن بوادي حنين الذي قال الله فيها: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شيئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧)) (٢). وحاصر الطائف ونَصَبَ عليها بمنجنيق، ولم يفتحها، وقسم غنائم حنين بالجعرانة، فلما قسَّمها دخل إلى مكة معتمرًا ثم خَرَجَ منها؛ لم يكن بمكة فَخَرَجَ منها إلى الحِلِّ ليعتمر كما يفعل ذلك من يفعله من أهل مكة.

بل الصحابة رضي الله عنهم وأئمة التابعين لم يستحبوا لمن كان بمكة ذلك، بل رأوا أن طوافه بالبيت أفضل من خُرُوجه لأجل العمرة، بل كرهوا له ذلك، كما قد بَسَطْنا هذه المسألة في غير هذا الموضع (٣).


(١) سورة البقرة: ١٩٦.
(٢) سورة التوبة: ٢٥ - ٢٧.
(٣) انظر مجموع الفتاوى (٢٦/ ٢٤٨ - ٣٠١).