للمكاء والتصدية في النصف وعشر ذي الحجة ونحو ذلك، ومثل استلام بعض ما هناك من الأحجار، فإنه لا يشرع أن يستلم أحد قط إلا الركنين اليمانيين للبيت العتيق، ومثل اعتقادهم أن ذلك القدم المصنوع قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وظن أجهل منهم أنه قدم الله وأشباه هذه الجهالات. فالزيارة إذا سَلِمَت عن هذه البدع وغيرها كانت شرعية، والسفر إلى الثغر للرباط أفضل منها، والعُدُول عن الفاضل إلى المَفْضُول مع استوائهما غير محمود.
الوجه الثالث: أن من الناس من يَقْصِد المُجاورة ببيت المَقْدس ويدع المُجاورة بالثغر الذي هو قريب منه. وهذا البابُ من أفضل الأفضل وأجلها، وهو فرض على الكفاية، ومعلوم أن هذا أعظم خُسْرانًا، وأشد حِرْمانًا، وأبعد عن اتباع الشريعة؛ فإن المُجاور بالحرمين قد يتعسر عليه ذلك دون المُرابطة لاختلاف المكانين. أما مع تفاوت المكانين فالعدول عن هذا إلى هذا لا يصدر إلا من جهل أو من ضعف إيمان، اللهم [إلاّ] إذا نَذَر هذا فيكون هذا معذورًا. وإنما الكلام فيمن يقدر على الأمرين.
ولهذا [لما] كان أهل البدع مُهْمِلين أمر الجهاد مُعَظمين للزيارات، استولى الكفار على كثير من الثغور، حتى قتل ببيت المقدس وقتلوا فيه من المجاورين من شاء الله، وكان قد جَرَت فيه بدع كثيرة.
ومن ذلك من يقصد بعض هذه البقاع، إما جبل لبنان وإما غيره، إما لزيارته لظنه أن فيه الصالحين من الأبدال وغيرهم، ويدع أن يقصد للرباط في سبيل الله، فإن هذا أيضًا من الضلال العظيم، وأصل السفر