للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حق عند أهل السنة والجماعة، وفيهم أهل العلم والمعرفة واليقين، فإنهم متفقون على محبته لذاته، وقد قررتُ هذه المسألة في غير هذا الموضع.

الوجه الثاني: أن تريد بالحب الأول: الحب الذوقي الذي لا يتقيد بالأمر المحض، فإن من عرف الله ولو بعقله ونظره أحبه وعظمه، حتى المشركون فيهم محبة الله، كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) (١) أي كحبهم الله، لا كحب المؤمنين لله، فإن الذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله، ثم إن المحبين (٢) من الأنبياء عليهم السلام، وأهل العلم والايمان كثيرًا ما يستعملهم الحب في أشياء ويدعوهم إلى أشياء من طلب، وسؤال عبادة، واجلال، ونعوت، لابتغاء الوسيلة، وطلب نيل الفضيلة، وإن لم تكن تلك الأشياء قد أُمِروا بها، لكن إذا لم يكونوا نُهُوا عنها، بل وغير الحب من الأحوال المحمودة قد يَفعل مثلَ ذلك، من الرحمة للخلق، والرجاء لرحمة الله، والخوف من عذابه، فإن الأفعال ثلاثة: مأمور به، ومنهي عنه، وما ليس مأمورًا به ولا منهيُّا عنه.

فكثير من المحبين يفعل ما يراه محصلاً لمقصوده من محبوبه إذا لم يكن منهيًّا عنه، حتى إن منهم من يُنهى أويُمنع كما مُنِعَ موسى عليه السلام عن النظر لما ساله، وانما دعاه إليه قلق الشوق والمحبة، كما أن نوحًا لما سال في ابنه قيل له: (فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (٣)،


(١) سورة البقرة: ١٦٥.
(٢) في الأصل: "المحبون".
(٣) سورة هود: ٤٦.