للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي قالوا بألسنتهم، وقدروها بقولهم، وجمعوا فيها بين النفي- وهو دخول الجنة- عن غير اليهود والنصارى، وبين الإثبات لمن كان هودا أو نصارى، وهذا من باب الَّلفِّ والنَّشر. أي وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا. وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيًّا، (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١)) فطالبهم بالبرهان على هذه القضية والدعوى الجامعة بين النفي والإثبات.

وكان في ذلك ما دلَّ على أن النافي عليه الدليل، كما أن المثبت عليه الدليل، كما طالب المثبت في قوله: (أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (١)، ومعلومٌ أنْ ليس مع اليهود والنصارى لا برهان شرعي ولا عقلي يدل على ذلك، فإن الرسل لم تخبرهم بهذا النفي، ولا هو مُدْركٌ بالعقل، ولهذا قال الله تعالى: (تلْكَ أَمَانِيُّهُمْ)، ثم قال تعالى: (بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فلة اجرة عند ربه). وهذا حصول الخير والثواب والنعيم واللذة، ثم قال: (ولا خوف عليهم) والخوف إنما يتعلق بالمستقبل، (ولا هم يحزنون) والحزن يتعلق بالحاضر والماضي، فلا هم يخافون ما أمامهم، ولا هم يحزنون على ما هم فيه وما وراءهم، ثم إنه قال في الخوف: (وَلَا خوف عليهم) ولم يقل: يخافون، فإنهم في الدنيا يخافون مع أنه لا خوف عليهم، وقال: (وَلَاهُم يحزنون) فلا يحزنون بحال، لأن الحزن إنما يتعلق بالماضي، وهم (٢) فأنواع الألم منتفية بانتفاء الخوف


(١) سورة النمل: ٦٤.
(٢) كذا في الأصل، ولعلها زائدة.