للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدينية، وهذه الإرادة الكونية، ويجب الفرق بين اللامين والعلتين والغايتين، كما فرق بين الأمرين والإرادتين والحكمين والبعثين والإرسالين. وليس كلُّ ما يحبه ويرضاه ويفرح به لخلقه يكون، وإنما كل ما شاء يكون.

وقد رُوينا في كتاب القدر (١) عن ابن عباس: أن الأنبياء موسى وعزيرًا والمسيح سألوا عن هذه المسألة، فقالوا: أيْ رب! أنت رب عظيم، لو تشاء أن تُطاعَ لأطِعْتَ، ولو تشاء أن لاتُعصَى لما عُصِيْتَ، وأنت تُحِبُّ أن تُطَاعَ، وأنت مع ذلك تُعصى؟ فاوحى الله إليهم: "إنّ هذا سِرّي، فلا تسألوني عن سِرّي".

وذلك أنه وإن أحث عبادتهم، فلا يجب في كل ما أحبه الحيُّ أن يفعله، بل قد يكون في حقنا من يترك محبوبه لمعارضٍ راجح، أو يتركه فلا يفعله لا لمعارض راجح، ولا نَقْصَ في ذلك، كالأفعال الحسنة التي تُستحبُّ لنا، كما قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (٢). وقال: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (٣).


(١) من الإبانة لابن بطة (٢/ ٣١٤). وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١٠/ ٢٦٠)، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/ ٢٠٠): فيه أبو يحيى القتات وهو ضعيف عند الجمهور، وقد وثقه ابن معين في رواية وضعفه في غيرها. ومصعب بن سوار لم أعرفه. وبقية رجاله رجال الصحيح.
(٢) سورة البقرة: ٢٥٣.
(٣) سورة إبراهيم: ٢٧.