للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبيح للتصرف هو كمال القبض الذي يرفع ضمان البائع لم يجز للمشتري بيع الثمرة؛ وإن أريد به أصل القبض فهو موجودٌ هنا، والسنة دلت على أن ضمان المشتري وجواز تصرفه لا يتلازمان، بل قد يكون مضمونًا عليه من بعض الوجوه مالا يجوز له بيعه، وقد يجوز أن يبيعَ ما يكون مضمونًا على البائع من بعض الوجوه. وهذا ظاهر مذهب أحمد، وهو الذي ذكره الخرقي وغيره، وإن كان من أصحابه من يقول بتلازمهما، كمذهب أبي حنيفة والشافعي. وذلك أنه قد ثبت في الصحيحين (١) عن ابن عمر أنه قال: "مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيًّا مجموعًا فهو من مال المبتاع". فإذا باعه حيوانًا، وتمكن المشتري من قبضه ولم يقبضه، كان من ضمان المشتري. وهذا مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه.

وكذلك إذا اشترى صُبْرةَ طعام جزافًا، وتمكن من نقله، كان من ضمان المشتري في ظاهر مذهب أحمد، مع أنه لا يجوز له بيعه حتى ينقله، كما في الصحيح (٢) عن ابن عمر أنه قال: "لقد رأيت الناس في عهد رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبتاعون جزَافًا - يعني الطعام - فيضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم". وفي لفظ (٣): "كنا في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكانٍ سواه قبلَ أن نبيعَه". فابن عمر نقل هذا وهذا، وكلاهما مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه، فالموجب


(١) ذكره البخاري تعليقًا في كتاب البيوع: باب ٥٧، ووصله الدارقطني في "سننه" (٣/ ٥٤). وانظر "فتح الباري" (٤/ ٣٥٢). ولم يروه مسلم.
(٢) البخاري (٢١٣٧).
(٣) لمسلم (١٥٢٧).