للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الماء ففيه رطوبة وبرودة، وفيه إرواء وإغراق، وهذا يدفع ضررَه الحرارةُ التي في النار، كما أن العطشان يجد حرارة العطش، فإذا شرب الماء رَوِيَ، فكذلك طالب الهدى يكون عنده شوق وطلب وحرارة حين يكون طالبًا، فإذا أتاه الهدى، وأحيا قلبه بحياة العلم والإيمان، رَوِيَ بذلك، ووجد له اللذة، وأما إذا كان عنده الحرارة النارية التي توجب له الحياة المشوقة له ولم يشرب، فإنه يكون عذابًا له، كالذي يَصْلى النار الكبرى، ثم لا يموت فيها ولا يحيى، فإن حياته لم تحصل مقصودها من الهدى واللذة، وما لم يحصل مقصوده يصح نفيه، فإن الشيء إنما هو مطلوب لأجل مقصوده، كما يقال عما لا ينفع: ليس بشيء. وهذا باب مبسوط في موضعه، كقوله: "لا نكاح إلا بولي" (١)، "ولا بيعَ فيما لا يملك" (٢)، ونحو ذلك.

وهو لم يمت أيضًا، لأنه فيه حياة، وهذا باب واسع، قال الإمام أحمد في أول خطبته (٣): "الحمد لله الذي جعل في كل زمانِ فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبصِّرون بنور الله أهلَ العمى، فكم من قتيلٍ لإبليسَ قد أحيَوْه، وكم من ضال


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٣٩٤، ٤١٣، ٤١٨) وأبو داود (٢٠٨٥) والترمذي (١١٠١) وابن ماجه (٨١٨١) من حديث أبي موسى الأشعري. وصححه الترمذي وغيره.
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ٤٠٢، ٤٣٤) وأبو داود (٣٥٠٣) والترمذي (١٢٣٢، ١٢٣٣، ١٢٣٥) والنسائي (٧/ ٢٨٩) وابن ماجة (٢١٨٧) من حديث حكيم بن حزام. وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
(٣) في كتابه "الرد على الزنادقة والجهمية".