للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خالق، فلا بد له من خالق غيره خَلَقَه. كما قال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)) (١)، فكذلك المخلوق ليس هو المقصود بوجوده وفعله، ولا وجد من غير مقصود، فوجب أن يكون المقصود بوجوده وفعله شيئًا غيره، كما تقدم بيانه.

ثم إنه في نفسه، كما أنه لا يكون شيء من أفعاله إلا بإعانة الله، فلا يصلح شيء من حركاته وِأفعاله إلا أن يكِون لله، ولهذا [كان سرُّ] (٢) القرآن في قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) كما قال بعض السلف: إن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، جمعَ سرَّها في الكتب الأربع، وجمعَ سرَّ الأربعة في القرآن، وجمع سرّ القرآن في المفصل، وجمع سرّ المفصل في الفاتحة.

ففرق بالنسبة إلى خالقه بين ربوبيته له وخلقه- وهو السبب- وبين مقصوده ومراده- وهو الغاية-. وفرق بالنسبة إليه بين فعله أنه لا يكون إلا بحبه، وبين فعله أنه لا يصلح إلا لإلهه، فلا يجوز إلا بمعونة الله، ولا يصلح إلا لوجه الله.

ويتبين ذلك فيه بالنسبة إلى نفسه، كما يتبين بالنسبة إلى خالقه، وذلك أن فعله وقصده يمتنع أن يكون وُجدَ من غير سبب، ويمتنع أن يكون وُجدَ بقصدٍ منه وفعل آخر، لأنه يفضَي إلى التسلسل والدور، فلا بد أن يكَون وجوده بسبب من غيره، وهو داخل في جملته التي تناولها


(١) سورة الطور: ٣٥.
(٢) بياض في الأصل بقدر كلمة.