مباشرة كل منهما للآخر لذة وسرور. وكذلك المتعاونان على علم أو عبادة أو تجارة أو غير ذلك.
وبالجملة فعامة أمور بني آدم إما معاوضة وإما مشاركة، وكل منهما يقصد ما ينتفع به من الآخر، لا يقصد نفع الآخر، لكن تارة يكون الانتفاع بذاته كما في الزوجين، وتارة بما منه كما في شريكي العنان.
وكل من هذين النوعين لا يجوز أن يكون معبودًا محبوبًا لذاته، فإنه إنما يُحَبُّ لأمر عارض لذاته ليس بلازم لها، ثم ذلك المحبوب تنقضي محبته بحصول الغرض منه، كما ينقضي غرض أحد الزوجين من الآخر إذا انقضت المنفعة.
وكذلك المتمتع بالنظر إلى منظر بهيج، وكلّ ما يُذكر عن عُشَّاق الصور والمال والرئاسة، فإنه لأمر عارض في المحبوب، وعارض في المحب، ليس لذات واحد منهما، ولهذا تكون المحبة في وقت دون وقت، وقد تتبدل بالبغضاء، وما كان الشيء فإنه باق ببقاء ذاته، وإنما هذه المحبوبات تتناول لقضاء الحاجة، وإذا زادت على الحاجة ضرَّتْ على الإنسان وأفسدته.
ولهذا يُقال: إنها في الحقيقة دفع آلام، ولا ريب أن لذَّات الدنيا متضمنةٌ دفعَ ألمٍ، بخلاف لذَّات الآخرة، فإنه يتمتع بها من غير دفع ألم، لكن مع هذا لا يجوز أن تكون هي المقصود لذاته في الأفعال الاختيارية، وذلك أن العلة أكمل من المعلول، سواءً كانت فاعلية أم غائية.