للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصحيحة غير هذه، وإن ضلَّ هو في قصد هذه والعمل لها.

وإذا تبين أنه لا يمكن أن يكون ما تهواه النفوس هو الذي ينبغي أن يكون مقصودها ومرادها، بل ذلك يستلزم نقيض ما تهواه وتحبه، عُلِمَ بهذا أنه لا يصلح أن تكون الغاية من قصد الفعل وإرادته ومحبته هو كون النفس تحبه وتهواه وتقصده.

كما تبين أنه لا يجوز أن يكون ذلك القصد حادثًا عن مجرد النفس، فكما أن مبدأ الفعل والفاعل ليس من الإنسان، فغايته ومقصوده لا يصلح أن يكون في الإنسان، فكما أنه ليس هو المباع لفعله، ليس هو الغاية لفعله، بل لا بد من غاية تكون معِبوده، كما أنه لاِ بد من مبدأ يكون مستعانه، كما قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) فلا يصلح أن يفعل الإنسان لأجل نفسه بمعنى أنها هي المعبود المقصود لذاته بذلك الفعل، فيفعل ما تحبه وترضاهُ مطلقًا، لكن يفعل لأجلها بمعنى أن يفعل ما يصلحها وينفعها، ويجلب لها الخير، ويدفع عنها الشر، وذلك أن يكون مقصوده بالفعل ما يحصل مصلحتها بقصده.

وكما أن الإنسان ليس مُحدِثا لفعله بمعنى أنه هو الخالق المُباِع له ولمبادئه المستقل به، ولكن هو المُحدِث لفعله بمعنى أنه فعَله بقدرته ومشيئته واعتقاده، وذلك أنه كله مخلوق لله، فربُّه هو الربّ الخالق لفعله وإن كان هو فاعله، وإلهه هو المقصود المعبود بفعله، وإن كان العبد يقصد نفع نفسه.

وكون الرب خالقًا وربًّا للفعل لا يمنع أن يكون العبد فاعلاً كاسبًا