للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سواء كان هذا من فاعلين أو من فاعل واحد.

فأما كون بعض بني آدم قد يجعلون ما ليس سببًا سببًا، وما ليس مقصودًا مقصودًا، فهذا هو الشرك الذي ضلّ به بنو آدم من الأولين والَاخرين، حيث جعلوا بعض المخلوقات علةً تامةً لبعض، إما فاعلاً ربًّا، وإما إلهًا معبودًا. وهذا هو الباطل، أعني هذا باطل في نفسه، والجاعلون لذلك مفسدون في اعتقادهم وإرادتهم، فإن من قصد وأراد بالقصد التام ما لا يصلح أن يُقصَد ويُراد فإن عمله فاسد، كمن أحبَّ الأشياء التي تضره وتفسده دون الأشياء التي تصلحه وتنفعه، فإنه وإن أحبَّها وقصدَها وعَمِلَ لها فهذا هو الفساد. وإذا ضُرِبَ مَثَلُ ذلك بمُحِبِّ العسل المسموم وآكله، كان في هذا المثل بعض الشبه، وإلا فالأمر فوق ذلك. ولو قيل: هو مثل محبة الفراشِ للنار التي تحرقه، كان الأمر فوق ذلك.

ونحن في هذا الموضع إنما أصل كلامنا في الدور، وهو أنه يمتنع أن يكون كلّ من الشيئين سببًا للآخر أو مقصودًا له، ولا يمتنع أن يكون الشيئان متعاونين على مقصودهما، فيكونان مشتركين فيما هو سبب لهما وفيما هو مقصود لهما، ثم أحدهما يقصد الآخر لذلك، كمحبة الشيء لغيره، كما أن أحدهما يعين الآخر، فهذا تعاون وتشارك في المحبوب وفي سببه.

وبهذا البرهان يتبين أنه لا بد في الوجود من إله يجب أن يكون هو منتهى قصد القاصدين، وعبادة العابدين، وإرادة المريدين، ومحبة المحبين، كما أنه منتهى سؤال السائلين، وطلب الطالبين، لأنه الخالق