للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مراده ومقصوده الذي هو معبوده، فلا بد للموجودات من إلهٍ هو إلهها ومعبودها سبحانه وتعالى.

ومن المعلوم بالبديهة أن الشيء لا يكون فاعلاً لنفسه، ولا يكون حادثًا من غير محدث، وكذلك من المعلوم بالبديهة أن المتحرك لا يكون متحركًا إلى نفسه، ولا يكون متحركا بإرادته إلى غير شيء، فكما أن الكائن بعد أن لم يكن لا يكون موجودًا بنفسه ولا من غير شيء، كما قال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)) (١)، فالمتحرك بإرادته بعد أن لم يكن متحركًا لا يجوز أن يكون متحركًا مريدًا لنفسه، ولا يجوز أن تكون حركته وإرادته لغير شيء، لأن ونفسه كانت موجودة قبل حركته، وكونها هي المراد بما أحدثه يقتضي حدوثها بعد حركته، فيقتضي أن تكون موجودة معدومة معا.

كما أنه إذا قُدِّر أنه فاعل نفسه لزم أن يكون متقدمًا على نفسه، لكونه فاعلاً، ومتأخرًا عن نفسه، لكونه مفعولاً، فهذا الذي ذُكِرَ من (٢) كون الإنسان يمتنع أن يكون فاعلاً مفعولا يقتضي امتناعَ كونه عابدًا معبودًا. وكذلك يقال في كل ممكن ومُحدَث، وهذا أيضا يدخل في الدور الممتنع، وما ذُكِرَ أولاً هو دور بين اثنين من فاعلين أو من فاعل واحد. وكل ذلك يُستَدل به على إثبات الإله المعبود الخالق للممكنات والمحدثات.


(١) سورة الطور: ٣٥.
(٢) في الأصل: "في".