للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك المسكن أو فواتَ الانتفاع المقصود، لأنه لم يُفعَل الشيء الذي ينتفع به، فنَقْصُ منفعتِه ظلمٌ.

وكذلك في اللباس، لو نَقَصَ أحدُ جانبَي الثوب عن الآخر، أو نقصَ ما يتمُّ به من خياطةٍ وقَدْرٍ، أو نقصَ الثوبُ عما يستحقه من النَّسْجِ أو الغَزْل أو نحوه= قيل فيه: لم يُعْطَ حقَّه، وكان حقه أن يُفعَل به كذا وكذا، وكان الواجب أن يُسوىَ بين هذا وهذا، وهذا عدلٌ وهذا ظلمٌ، وقد ظلم هذا الجانب هذا الموضع ونحوه.

وكذلك في الأطعمة، في أجزاء الطعام ومقدارِ طَبْخِه ونحو ذلك، لها حقوقٌ مبناها على العدل. وكذلك في الزُّروع إذا أُثيرت الأرضُ وبُذِرتْ وسُقِيَ الزرعُ ونُظّفَ على الوجه الذي يستحقه، وإلاّ قيل: هذا كان يستحقُّ كذا وكذا، وهذا الزرع لم يُعطَ حقَّه، ونحو ذلك. فإذا عُمِلَ كما يستحقه وأخرج الثمر قيل: أخرج ثمره ولمِ يظلم منه شيئًا، كما قال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) (١)، فهنا جعل الظلم من نفس الجماد، لأنه لما أُعطِي حقه من عمل العبد فيه لم يظلم عامله شيئًا، كما قد يُجعَل لها فتكون ظالمةً تارةً ومظلومةً أخرى، كما قال النابغة (٢):

وَقفتُ فيها أُصَيلَالاً أُسَائِلُها ... عَيَّتْ جوابًا وما بالرَّبْعِ من أحدِ


(١) سورة الكهف: ٣٢، ٣٣.
(٢) ديوانه (ص ١٤، ١٥).