المسافر ففي تسمية صلاته قصرًا نزاع وتفصيل، ومن لم يُفرَض عليه إلا ركعتان مع قدريه على الأربع وتيسُّرِ ذلك عليه لم يكن قد نقصَ مما أُمِرَ به شيئًا، كمن صلَّى الفجر والعيد ركعتين والجمعة ركعتين، بخلاف الخائف والمريض ونحوهما، فإنه إنما أبيح لهما نقصُ الصلاةِ لأجل العجز عن إكمالِها، والمسافر يُباح له ذلك مع القدرة، كما أبيح له الفطرُ، واستُحِب له أو وجبَ عليه ذلك عند طائفة. وإن كان المسافر إنما وُضِعَ عنه الصومُ وشَطْرُ الصلاة لكون السفرِ مَظِنَّة الحاجة إلى التخفيف فهذا حكمٌ عامٌّ لكل مسافرٍ معلَّقٌ بجنس السفر، إما لكون السفرِ قطعةً من العذاب فتكون الحكمةُ عامةً، أو لكونه مظنَّةً كما يظنُّه بعض الناس، وإن تخلَّفتِ الحكمةُ في آحاد الصُّوَر. وهذا بمنزلة المسافر ليس عليه جمعة، وأن عرفة ومنى لا جمعةَ فيهما، وأن المسافر يمسح على الخفَّين ثلاثةَ أيام ولياليهنّ والمقيم يمسح يومًا وليلةً، ونحو ذلك من الأحكام التي فرَّق الله فيها بين حكم المقيم والمسافر.
وإذا كان قَصْرُ العدد أمرًا معلَّقًا بالسفرِ يثبت به ولا يثبت بدونه كان السفر هو المؤثِّر في قصر العدد، فأما النسك فلا تأثير له في قصر العدد، بل كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْصُر قبلَ أن يُحرِم بالحج هو وأصحابه، ولم يزل يَقصُر إلى أن رجعَ إلى المدينة، فقَصَرَ قبلَ إحرامِه وبعدَ تحلُّلِه، وقَصَرَ معه أهلُ مكة، كما قَصَرَ معه سائرُ من حَجَّ معه. فعُلِمَ أن ذلك كان لأجل سفرِهم من مكة إلى عرفةَ، لا لكونهم حُجَّاجًا. ولهذا لو أحرموا بالحج وهم مقيمون بمكة لم يجز لهم القصرُ عند أحدٍ من العلماء، فعُلِمَ أن ذلك لم يكن لأجل النسك. فمن جعلَ قَصْرَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفةَ ومزدلفةَ ومنى إنما كان لأجل النسك لا السفر فقد علَّق الحكمَ