للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[و]، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تَستنتجوا بهما، فإنهما زادُ إخوانكم من الجن " (١). فماذا كان لم يُبَحْ للجنّ المؤمنين من الطعام الذي يَصلُح للجن- وهو ما يكون على العظام- إلا الطعامُ الذي ذُكِرَ اسمُ الله عليه، فكيف بالإنس الذين هم أكملُ وأعقلُ، وهم الذين يتولّون تذكيةَ الحيوانِ، كيف يُباحُ لهم ما لم يُذكَر اسمُ الله عليه؟ وهذا كما أنه لما نَهَى عن الاستنجاء بطعامِ الجنّ وعَلَفِ دَوَابِّهم، كان النهيُ عن الاستنجاء بطعامِ الإنس وعَلفِ دَوَابِّهم أولى وأحرى.

وأيضًا ففي صحيح البخاري (٢) وغيره عن عائشة أن ناسًا قالوا: يا رسول الله، إن قومًا يأتونا باللحم، لا نَدريْ أَذُكِرَ اسمُ الله عليه أم لا، فقال: "سَمُّوا عليه اسمَ الله وكُلُوا". قال: وكانوا حديثي عهد بكفر.

وهذا يدلُّ على أنه كان قد استقرَّ عند المسلمين أنه لا بُدَّ من ذِكر اسمِ الله على الذبح، كما بيَّنَ الله ذلك لهم هو ورسولُه في غير موضع، فلما كان هؤلاء حديثي عهدٍ بالكفرِ خافوا أن لا يكونوا سَمَّوا، فاستفًتَوا عن ذلك رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمرَهم أن يُسَمُّوا هُم ويأكلوا. وذلك لأنَّ من أباحَ الله ذبيحتَه من مسلم وكتابيّ لا يُشتَرط في حِلِّ ذبيحتِه أن أعلم أنه بعينه قد سَمَّى، إذ العلمُ بهذ الشرطِ متعذِّرٌ في غالبِ الأمر، ولو كان هذا العلمُ شرطًا لما أكلَ اللحمَ غالبُ الناسِ، فأجريت أعمالُ الناسِ على الصحة، كما أن من اشتريتَ منه الطعامَ حملتَ أمرَه على الصحة، وأنه إنما باعَ ما لَه بيعُهُ بملكٍ أو ولاية أو وكاله، مع أن كثيرًا من الناس


(١) أخرجه الترمذي (١٨) من حديث ابن مسعود.
(٢) برقم (٥٥٠٧) و (٧٣٩٨).