للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: أن هذه المنافع ليست كالعارية، فإن السلطان لا يملك هذه المنافع، بل هي حقّ للمسلمين ومِلْكٌ لهم، وإنما السلطان قاسم يَقسِم بينهم تلك المنافع، فيستحقونها بحكم المِلْكِ لها والاستحقاق لا بحكم الإباحة، كما يستوفي أهل الوقف منفعةَ وقفهم. والموقوف عليه إذا آجَر الموقفَ جاز، وإن كانت الإجارة تنفسخ بموتِ الموقوف عليه عند جمهور العلماء، فإن البطن الثاني يتلقى الوقف عن الواقف لا عن البطن الأول، بخلاف الميراث. فلهذا كان جمهور العلماء على أن الإجارة لا تنفسخُ بموت الميت الذي تنتقل العينُ إلى وارثه، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد، وأما أبو حنيفة فيقول بانفساخها، لأنّ من أصلِه أن المستأجر لم يملك المنفعةَ، وإنما ملكَ أن يملكها بالاستيفاء، فيقول: إن المنفعة لم تخرج عن ملك الميت، بل تحدثُ على ملك الوارث، ومع هذا فهو يقول: لو باعَ العينَ المؤجرة لم يجز، لأن المنفعة للمستأجر، لأن المؤجر لا يملك فسخ الإجارة. وأما جمهور العلماء فعندهم لا تنفسخ بالموت، سواء قيل: إن المستأجر ملك المنفعةَ أو ملك أن يملكها، وأن الوارث لم ينتقل إليه منفعةُ العين المؤجرة.

وأما إذا كان المؤجر هو الموقوف عليه فهنا تنفسخ في أظهر قولي العلماء، وهو أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، لأن البطن الأول ليس له ولايةُ التصرُّفِ في حقّ البطن الثاني إلا أن يكون المؤجر ناظرا له الولايةُ على البطنين. فكذلك الإقطاع، إذا قُدِّر أن المُقْطع ماتَ أو أُخِذ منه الإقطاع كان كالموقوف عليه تنفسخ الإجارة عند الجمهور، ويبقى زرع المستأجر محترمًا، يبقيه بأجرة المثل إلى