بسواءٍ إنما يتسلَّم الأصول، وهو الذي يقوم عليها حتى يشتدَّ الزرعُ ويَبدُوَ صلاحُ الثمر، كما يقوم على ذلك العاملُ في المساقاة والمزارعة، فإن جاز أن يقال: إن هذا مشترٍ للثمر فلنَقُلْ: إن المستأجر مشترٍ للزرع، وإن العامل في المساقاة والمزارعة والمضاربة مشترٍ لما يحصلُ من النماء. فإذا كان هذا لا يدخلُ في مسمَّى البيع امتنعَ شمولُ العمومِ له لفظًا.
ويمتنعُ إلحاقه بذلك من جهة القياس وشمولِ العموم المعنوي له، لأن الفرقَ بينهما في غاية الظهور، فإن إلحاقَ هذه الَإجارة بإجارة الأرض لاشتراكهما في المساقاة والمزارعة وفي العارية والوقف وغير ذلك مما يجعل حكمَ أحدِهما حُكْمَ الآخر= أولى من إلحاقها بالبيع كما تقدم. فكلُّ من نظرَ في هذا نظرًا صحيحًا سليمًا تبيَّنَ له أن هذا من باب الإجارات والقبالات التي تُسمَّى الضمانات، كما تسمِّيه العامةُ ضمانًا، وكما سمّاه السلفُ قبالةً، وليس هو من باب المبايعات، وأحكامُ البيع منتفية في مثل هذا، مثل كون مَؤُونةِ التوفيةِ على البائع، ومثل أنه لو باع الحبَّ بعد اشتدادِه وفرَّطَ في سَقْي الحنطةِ حتى لم يكمل صلاحُها، كان ذلك من ضمانِه ولم يستحقَّ الثمنَ. ولو قَصَّر المستأجرُ للأرض في السَّقْي وغيرِه حتى لم يَنْبُتِ الزرعُ كان ذلك من ضمانِه، لا من ضمانِ المؤجر. وكذلك بائعُ الثمرة إذا لم يَقُم بما يجب عليه من خدمتها حتى لم يكمل صلاحُها كان النقصُ من ضمانه. ومستأجرُ الشجر إذا قَصَّر في خدمتِها حتى لم تُثمِر، أو أثمرتْ ثمرًا ناقصًا، كان ذلك من ضمانه.