للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإبليس لم يُرْسَل إليه رسول فيكذبه، ولكن الله أمره فاستكبر وأبى وكان من الكافرين، فعُلِم أنّ الكفر قد يكون من غير تكذيبٍ بل عن كبرٍ وامتناع من قول الحق والعمل به، وعُلِم أنه قد يعلم الحق بقلبه من لا يقر به ولا يتبعه، ويكون كافرًا.

ومتى استقر [ق ٥٥] في القلب التصديق والمحبة والطاعة، فلا بدَّ أن يظهر ذلك على البدن في اللسان والجوارح؛ فإنه ما أسرَّ أحدٌ سريرةَ خيرٍ أو شرٍّ إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفَلَتات لسانه، وقال تعالى عن المنافقين: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: ٣٠]، فإذا كان المنافق الذي يجتهد في كتمان نفاقه لا بدَّ أن يظهر (١) في لحن قوله، والمؤمن الذي يجتهد في كتمان إيمانه ــ كمؤمن آل فرعون، وامرأة فرعون ــ يظهر إيمانه على لسانه عند المخالفين الذين يخالفهم، فكيف يكون مؤمن قد حصل في قلبه الإيمان التام بالله تعالى ورسوله، ولا ينطق بذلك من غير مانع يمنعه من النطق؟ بل هذا مما يُعلَم بصريح العقل امتناعُه، كما قد بُسِط ما يتعلق بهذه المسألة في غير هذا الموضع (٢).

وأما الأخرس فليس من شرط إيمانه نطق لسانه، والخائف لا يجب


(١) كتب قبلها «يكون» ثم كلمة ضرب عليها.
(٢) انظر «الفتاوى ــ الإيمان الأوسط»: (٧/ ٥٧٥ ــ ٥٩٧)، و «الصارم المسلول»: (٣/ ٩٦٠ - ٩٧٦).