كقوله:(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً)، وقوله:(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ)، وقوله:(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)، وقوله:(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) لا يتناول جمعَ الثلاث، وإنما يتناول من طلَّق مرةً بعد مرة، فدلَّ ذلك على أن هذا هو الطلاق المعروف عند المخاطَبين بالقرآن ابتداءً.
ودلَّ ذلك على أن جمعَ الثلاث لم يكن من الطلاق الذي يعرفونه، إذ لو كان كذلك لكان يستثنيه ويُبيِّنه، وإلاّ كان القرآن قد أريد به خلافُ ظاهرِه وعمومِه بلا بيانٍ من الله ورسوله.
الوجه الثامن عشر: أن يقال: معلومٌ أن ظاهر القرآن وعمومَه يَدُلُّ على أن الطلاق المشروع طلقة بعد طلقة، فإذا أريد خلافُ ظاهرِه فلابُدَّ من بيانٍ من الله أو رسولهِ لذلك. ومعلومٌ أنه ليس في القرآن آية تَدُلُّ على إباحة جمع الثلاث، ولا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يدلُّ على ذلك، فإن حديث فاطمة بنت قيس إنما فيه أن زوجها طلَّقها آخر ثلاثِ تطليقاتٍ، وحديث الملاعنة لما طلَّقها ثلاثًا إنما فيه طلاق من لا سبيل له إلى المقام معها، وهذا كما لو طلَّق من حرمت عليه بغير الطلاق ثلاثًا، وطلاق هذه زيادة توكيدٍ في مفارقتها، بل هو لغوٌ لم يُوجبِ الفرقةَ التي يُوجبها الطلاق، بل وجوده كعدمه. والطلاق الثلاث حرمت عليه ليكون له سبيل إلى رجعتها، وهذا المعنى منتفٍ في حقّ هذه. ولو قُدِّر أنه فعلَ منكرًا، فالمنكر إذا بين الله ورسولُه أنه منكر لم يَجِبْ بيانُ ذلك في كل مجلس. وهذا جوابٌ ثانٍ عن حديث فاطمة بنت قيس، فليس معهم إلاّ مجرد سكوت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو إذا بيَّن تحريم الشيء لم يكن سكوتُه عن إنكارِه كلَّ وقتٍ دليلاً على الجواز.
الوجه التاسع عشر: أن الله حرَّمها عليه بعد الطلقة الثالثة حتى