أن الآثار التي فيها أن الطلاق كان بغيرِ عددٍ آثارٌ قليلةٌ خفيةٌ لا يَعلمها جمهورُ الناس، ولم يَروِ أهلُ الصحيح منها شيئًا، وإنما رواها طائفةٌ من أهل السنن والتفسير والفقه.
وأما الآثار بتحليل المتعة في أول الإسلام فهي مشهورة صحيحة معروفةٌ عند المسلمين، فكانت شبهة من اعتقد بقاءَ حِلِّ المتعة من هذه الجهة، ولهذا ذهبَ إلى ذلك طائفة من السلف من أصحاب ابن عباس وغيرهم، إذْ كان ابن عباس أفتى بها. وقد قيل: إنه رجع عنها، وقيل: إنه إنما أفتى بها عند الضرورة، حتى رَوى له علي بن أبي طالب نَهْيَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنها، كما أخرج ذلك أهلُ الصحيح وغيره (١).
وأما جواز التطليق بغير عددٍ فلم يذهب إليه مسلم، بل هو مما يُعلَم فسادُه بالضرورة من دين الإسلام، فكيف يُقال: إنّ هذا كان بعد النسخ موجودًا على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر؟.
وأيضًا ففي الحديث أن عمر رضي الله عنه قال: إنّ الناس قد استعجلوا في أمرٍ كانت لهم فيه أَناة، فلو أنَّا أنفذناه عليهم، فأنفذَه عليهم. فدلَّ ذلك على أنه أنفذَ عليهم ما كانت لهم فيه أناة، فلو كان ما فعلوه هو المنسوخ المحرَّم لم تكن لهم أناة في شيء قد ظهرَ تحريمُه بالكتاب والسنة المتواترة والإجماع، ولم يكن إنفاذُه عليهم مما يتعلق باجتهاد الأئمة.
ثمَّ ذكر أبو داود في سننه حديثًا ثابتًا مرفوعًا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أن جَمْعَ الثلاث بكلمة يكون واحدةً، كما في حديث أبي الصَّهباء.